الشيخ حمدي الزامل
ولادته : ولد القارىء الشيخ حمدي محمود الزامل يوم 22/12/1929م بقرية منية محلة دمنه مركز المنصورة بمحافظة المنصورة .. وتوفي يوم 12/5/1982م. حفظ القرآن الكريم بكتّاب القرية قبل سن العاشرة تلقياً من فم خاله المرحوم الشيخ مصطفى إبراهيم , وجوده على شيخه المرحوم الشيخ عوف بحبح .. بنفس القرية .. بالكتاب ظهرت علامات الموهبة لدى الفتى الموهوب حمدي الذي لفت إليه الأنظار لجمال صوته وقوة أدائه وهو طفل صغير فأطلق عليه أهل القرية وزملاء الكتّاب لقب ((الشيخ الصغير)) وكان ملتزماً بالمواظبة على الحفظ مطيعاً لشيخه الذي أولاه رعاية واهتماماً ليعده إعداداً متقناً لأن يكون قارئاً للقرآن له صيته وشهرته .. كان لهذا الاهتمام الدور الكبير في تشجيع الفتى القرآني حمدي الزامل على الإقبال على الحفظ عن حب ورغبة, فرضت الأسرة رقابة شديدة على الشيخ الصغير حمدي الزامل وأحاطوه بالحب والتقدير وأدخلوا على نفسه الثقة بجلوسهم أمامه يستمعون إليه وكأنه قارىء كبير, فزادوه ثقة بنفسه ليصبح حديث أهل القريتين التوأم اللتين يفصلهما بحر صغير يفصل بينهما من حيث الحدود فقط ولكنه بمثابة حبل الوريد الذي يغذي الجسد الواحد..
كان لنشأته بمنطقة تجارية سميت بمنطقة (( بلاد البحر)) الأثر الكبير في تعلقه بأن يكون قارئاً مشهوراً وصييتاً كبيراً مثل مشاهير القراء الذين تنافسوا فيما بينهم من خلال المآتم الخاصة بالعائلات الكبرى في منطقة بلاد البحر أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين شعيشع وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة .. كان القارىء الموهوب حمدي الزامل حريصاً منذ طفولته على حضور هذه السهرات فاستفاد بقوة من هذه المواقف وخاصة تعلقه وطموحه بأن يكون مثلهم في يوم من الأيام .. بدأ والده يشعر بأن مجد العائلة وعزًها سيرتبط بمستقبل ابنه حمدي الذي بدأ يقلد مشاهير القراء أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي ساعده على ذلك تمكنه من حفظ القرآن وجمال صوته وقوته بمساحاته التي أهلته لأن يكون قارئاً له وزنه وثقله بين القراء .. أشار أحد أقاربه على والده بأن يرسل ابنه حمدي إلى الزقازيق ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري ما دام قد حفظ القرآن كاملاً في سن مبكرة حتى يكون أحد رجال الدين البارزين أصحاب المكانة المرموقة داخل نطاق المجتمع الريفي .. لم يتردد الوالد في قبول هذه النصيحة فألحق ابنه بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري فاستقبله شيخ المعهد بحفاوة وطلب منه أن يتلو عليه بعض آي القرآن ليتعرف على مدى حفظه فاكتشف أنه صييت صغير ينتظره شأن كبير ولم يصدق شيخ المعهد أذناه ولا عيناه بالمفاجأة التي جعلته يقول للفتى الموهوب ابن العاشرة (( تاني يا شيخ حمدي )) ربنا يفتح عليك )) وظل الشيخ يستمع لصاحب الصوت الجميل والأداء القوي الموزون المحكم , فقبّله ودعا له بالتوفيق وأوصى به أباه وأخبره بأن هذا الابن يعتبر ثروة لا تعادلها ثروة وسيكون له شأن كبير بين أهل القرآن وقرائه .. قضى الفتى القرآني حمدي محمود الزامل المرحلة الابتدائية الأزهرية بمعهد الزقازيق محمولاً داخل قلوب المشايخ والزملاء وبأعينهم لأنه كان يتلو ما تيسر من القرآن صباح كل يوم يفتتح اليوم الدراسي بخير الكلام بالقرآن الكريم .
بعد حصوله على الابتدائيه الأزهرية ظهرت كل إمكاناته التي مكنته من تلاوة القرآن بطريقة لا تقل عن أداء كبار القراء فتدخل شيخه عوف بحبح لدى والده وأشار عليه بتفرغ الشيخ حمدي لتجويد القرآن في هذه المرحلة حتى ينطلق كقارىء ما دامت الموهبة موجودة والإمكانات تفوق سنه .. وافق الوالد مباشرة لأنه يتطلع إلى مجد يستطيع أن يرفع رأسه بين كبار العائلات بالقريتين المتجاورتين اللتين تشهدان منافسات بين العائلات .. لقد جاء اليوم الذي يستطيع فيه الحاج محمود أن يقول لهم : إذا كان التنافس بينكم في أحد طرفي الزينة الدنيوية وهو المال فإن الله وهبني طرفي زينة الحياة الدنيا من من خلال موهبة الشيخ حمدي .. وهذا ما جعل الحاج محمود يوافق على فكرة الشيخ عوف بحبح الذي سيتولى تجويد القرآن للشيخ حمدي الذي تلقى أحكام التجويد وعلوم القرآن من فمه مباشرة عن حب ورغبة شديدة في التمكن من تلاوة القرآن .. لما بلغ الشيخ حمدي الثانية عشرة من عمره ذاع صيته بمنطقة البحر كما أطلق عليها – فانهالت عليه الدعوات من هذه البلاد بداية من (( شها )) وصولاً إلى المنزلة التي اشتهر بها قبل بلوغه الخامسة عشرة وأثنى عليه الشيخ توفيق عبدالعزيز وبشّره بعلو منزلة بين قراء القرآن المشاهير لأن الشيخ توفيق رحمه الله كان من العلماء المتخصصين في علوم القرآن وهو والد الإذاعية القديرة فضيلة توفيق وكانت شهادة الشيخ توفيق بمثابة وسام على صدر الشيخ حمدي الذي دخل قلوب الناس واصبح قارءهم المفضل صاحب الصوت العذب الفريد المصّور لمعاني القرآن أبلغ ما يكون التصوير .
القارىء الموهوب : منذ عام 1944م وحتى وفاته عام 1982م قضى الشيخ حمدي ما يقرب من أربعين عاماً تالياً آي الذكر الحكيم بقوة وكفاءة عالية, فاستطاع بجدارة, أن يحصل على لقب (( كروان الدقهلية )) لأنه كان القارىء المفضل لجميع محافظات الدقهلية والمحافظات المجاورة لها .. بحق الجوار كان يوافق على قبول الدعوات من محافظة دمياط والشرقية لأنه كان قبولاً على حساب رفض .. حيث كان يطلب في اليوم لأكثر من سهرة فيأخذ الأولى أو التي تخص أصدقاءه وأقاربه الموجودين في أكثر من مكان بالدقهلية .. عشق الآلاف من السميعة المحترفين فن أداء وتلاوة الشيخ حمدي صاحب الصوت القوي الرخيم الخاشع المعبر وإمكاناته في التلاوة التي تهز المشاعر وتحرق الوجدان وتوقظ القلوب .. منحه الله مزماراً صوتياً من مزامير آل داود تجلت هذه القدرة وهذه العذوبة في أدائه بأنغام تحملها أوتار صوتية معدة ومجهزة تجهيزاً ربانياً تجعل السامع ينفعل بقلبه ومشارعه وأحاسيسه مع كل حرف يتلوه ولكل نغمة يؤديها ببراعة الإنتقال من مقام إلى مقام. تجده أنه قارىء فريد متميز متمكن, كان يقرأ اصعب قبل السهل لتمكنه من الحفظ والتجويد وشهد له بذلك الشيخ مصطفى وإسماعيل . وكانت براعة وإمكانات الشيخ حمدي تظهر فريدة من خلال تمهيده للتصديق في كلمة واحدة وهي آخر كلمة في التلاوة وكان يعطي السامع كل ألوان وإحساسات التمهيد في كلمة أو كلمتين بمهارة وتمكن لا ينافسه فيه أحد.
مكانته بين الناس : ظل الشيخ حمدي الزامل ما يقرب من عشرين عاماً القارىء المفضل لدى معظم قرى ومدن الدقهلية مع أمثاله من مشاهير القراء مما شغله عن الالتحاق بالإذاعة مبكراً .. واستمر هذا الانشغال بحب الناس له مع دخوله الإذاعة فلم يتمكن من الحصول على حقه كاملاً لأنه كان يعرف قدر نفسه تماماً وكان دائماً يضع إشباع رغبة عشاق فن أدائه فوق كل رغباته لأنه كان يعتبر المجد والعز والجاه والشهرة في تلاوة القرآن لا في الأضواء القاتلة التي لما أراد أن يسعى إليها على استحياء بضغط من أحبابه وجمهوره كانت سبباً في إسدال الستار عن موهبة قلما يجود الزمان بمثلها اسمها (( حمدي الزامل )) عاش حياته صديقاً لكل الناس فلم تخل قرية ولا مدينة في الوجه البحري من أكثر من صديق له مما وثّق الصلة بينه وبين آلاف المحبين له قارئاً وإنساناً .. دفع هذا الحب بعض العائلات إلى تأخير السهرة لأن الشيخ حمدي مرتبط .. ومن هؤلاء المقربين ابنه عمه أحد رجال الدين وحفظة القرآن المرحوم الشيخ فتحي الزامل وكذلك الحاج سيد سويلم عضو مجلس الشعب وعائلة سويلم بقرية برمبال مركز المنصورة والأستاذ محمود أمان بمحلة زيّاد مركز المحلة الكبرى.
احترامه الشديد للزميل واهتمامه بمظهره ومواعيده بالإضافة إلى تعلق الآلاف به كقارىء وصييت له مكانته بين مشاهير القراء. وضيف الشيخ أحمد أبوزيد القارىء والمبتهل الإذاعي الشهير حتى قبل دخوله الإذاعة .. كان أجره مثل أجر الشيخ مصطفى والشيخ البنا والشيخ عبدالباسط .. وأحياناً يدعى لمآتم ويرد نصف ما حصل عليه لأنه يجد أن أسرة المتوفى لا يتناسب ما دفعوه مع دخلهم.
الزامل ومصطفى إسماعيل : كانت بداية معرفة الشيخ مصطفى إسماعيل بالشيخ حمدي الزامل .. عام 1966م عندما كان الشيخ حمدي يقرأ مأتم بقرية شها مركز المنصورة وكان السرادق على الطريق وأثناء مرور الشيخ مصطفى على (( الصوان )) متجها إلى جهة المنزلة ليقرأ مأتم فقال للسائق انتظر لحظة وسمع الشيخ حمدي فسأل عنه فقيل له إنه الشيخ حمدي الزامل فأعجب بالصوت والأداء .. ومن هذه اللحظة بدأ الشيخ مصطفى يثني على الشيخ حمدي حتى قرأ معه في مأتم واحد. وكان القادم من مشاهير قراء الإذاعة إلى أي مكان بالدقهلية يعلم جيداً أن الشيخ حمدي مشغول وإلا كان هو البديل .. ولكن قليلاً جداً ونادراً ما كان يدعى قارىء مع الشيخ حمدي بسهرة واحدة ولكن الشيخ مصطفى إسماعيل الذي كان أشد المعجبين بالشيخ حمدي وذكاه أكثر من مرة واعترف به كأحد الموهوبين المتمكنين في تلاوة القرآن الكريم .. كثيراً ما التقى والشيخ الزامل الذي لفت الأنظار إليه بشدة في وجود الشيخ مصطفى الذي قال: (( المستقبل للمجيدين أمثال الشيخ حمدي )) ويقول الشيخ عبده الدسوقي وهو من حفظة القرآن الكريم بالمنصورة : (( نظراً لخبرتي الطويلة مع مشاهير القراء منذ عصر الشيخ مصطفى إسماعيل والشعشاعي والبنا وعبدالباسط وشعيشع وغيرهم سنحت لي أكثر من فرصة لأن أحضر منافسات ضارية بين فحول القراء .. وفجأة ظهر بينهم أحد العمالقة الموهوبين أصحاب الوزن والصيت المتين وهو الشيخ حمدي الزامل وحدث أن توفي أحد كبار الشخصيات بمدينة المنصورة وكان المأتم مهولاً والسرادق يمتد لأكثر من نصف كيلو متر أمام دار ابن لقمان مطلاً على البحر الصغير بالمنصورة وكان الشيخ مصطفى إسماعيل مدعواً لإحياء هذا المأتم في صيف عام 1960م – ولم يعلم الشيخ مصطفى بوجود قارىء معه بالسهرة ولكنه حضر متأخراً .. ولما دخل (( الصوان )) وجد الشيخ حمدي الزامل جالساً فسلّم عليه وقال له : (( هو أنت هنا يا شيخ حمدي !! )) أنت مدعو معي الليلة ؟ فقال له نعم يا عم الشيخ مصطفى فقال الشيخ مصطفى : (( أقسم بالله ما أقرأ إلا بعد ما أسمعك وأصر الشيخ مصطفى على ذلك وصعد الشيخ حمدي كرسي القراءة وقرأ قرآناً كأنه من الجنة وكلما أراد أن يصدق يقسم الشيخ مصطفى بأنه لن يصدق إلأ إذا قال له الشيخ مصطفى وامتدت التلاوة لأكثر من ساعة ونصف وكانت ليلة من ليالي القرآن واستمرت إلى ما قبل الفجر بقليل .
الزامل وعبدالباسط عام 1970م : يقول الشيخ أحمد أبوزيد القارىء والمبتهل الإذاعي وابن القارىء الإذاعي المرحوم الشيخ حسين أبوزيد والذي قرأ مع الشيخ حمدي بالمنصورة أكثر من مرة : (( الشيخ حمدي الزامل كان أسطورة لن ينساه محبوه وعشاق فن أدائه أبداً سواء الذي عاصروه أو الذي يستمعون إلى تسجيلاته .. وقد حضرته عشرات المرات بعضها كقارىء ومعظمها كمستمع فعرفت قدره عند الناس ومدى كفاءة هذا القارىء الموهوب المميز الفريد وخاصة عندما دعي الشيخ عبدالباسط لإحياء مأتم أمام جمعية الشبان المسلمين بالمنصورة . بدار مناسبات مسجد النصر .. ودخل الشيخ عبدالباسط وسط آلاف المعزين الذي امتد بهم المجلس إلى خارج المكان .. فوجد الشيخ حمدي الزامل يقرأ, فقال الشيخ عبدالباسط لصاحب السهرة هو أنت دعوتني بمفردي أم معي الشيخ حمدي ؟ فقال للشيخ عبدالباسط الشيخ حمدي مدعو كذلك فقال له الشيخ عبدالباسط بكل تواضع أهل القرآن في وجود الشيخ حمدي يجب ألا يقرأ أحد لأنه يقدم كل فنون تلاوة القرآن السليم بصوت وطريقة عظيمة وجلس الشيخ عبدالباسط حتى ختم الشيخ حمدي وتعانق الإثنان وجلسا معاً دقائق بعدها صعد الشيخ عبدالباسط ليقرأ والمعزون كل في مكانه لم يتحرك أحد منهم بل تضاعف عددهم ليستمعوا إلى الشيخ عبدالباسط وبعد 15 دقيقة صدق الشيخ عبدالباسط وقال للشيخ حمدي اقرأ يا شيخ حمدي لأنني في اشتياق إلى سماعك لما سمعته عنك من الشيخ مصطفى إسماعيل.
ولادته : ولد القارىء الشيخ حمدي محمود الزامل يوم 22/12/1929م بقرية منية محلة دمنه مركز المنصورة بمحافظة المنصورة .. وتوفي يوم 12/5/1982م. حفظ القرآن الكريم بكتّاب القرية قبل سن العاشرة تلقياً من فم خاله المرحوم الشيخ مصطفى إبراهيم , وجوده على شيخه المرحوم الشيخ عوف بحبح .. بنفس القرية .. بالكتاب ظهرت علامات الموهبة لدى الفتى الموهوب حمدي الذي لفت إليه الأنظار لجمال صوته وقوة أدائه وهو طفل صغير فأطلق عليه أهل القرية وزملاء الكتّاب لقب ((الشيخ الصغير)) وكان ملتزماً بالمواظبة على الحفظ مطيعاً لشيخه الذي أولاه رعاية واهتماماً ليعده إعداداً متقناً لأن يكون قارئاً للقرآن له صيته وشهرته .. كان لهذا الاهتمام الدور الكبير في تشجيع الفتى القرآني حمدي الزامل على الإقبال على الحفظ عن حب ورغبة, فرضت الأسرة رقابة شديدة على الشيخ الصغير حمدي الزامل وأحاطوه بالحب والتقدير وأدخلوا على نفسه الثقة بجلوسهم أمامه يستمعون إليه وكأنه قارىء كبير, فزادوه ثقة بنفسه ليصبح حديث أهل القريتين التوأم اللتين يفصلهما بحر صغير يفصل بينهما من حيث الحدود فقط ولكنه بمثابة حبل الوريد الذي يغذي الجسد الواحد..
كان لنشأته بمنطقة تجارية سميت بمنطقة (( بلاد البحر)) الأثر الكبير في تعلقه بأن يكون قارئاً مشهوراً وصييتاً كبيراً مثل مشاهير القراء الذين تنافسوا فيما بينهم من خلال المآتم الخاصة بالعائلات الكبرى في منطقة بلاد البحر أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي والشيخ عبدالعظيم زاهر والشيخ أبوالعينين شعيشع وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة .. كان القارىء الموهوب حمدي الزامل حريصاً منذ طفولته على حضور هذه السهرات فاستفاد بقوة من هذه المواقف وخاصة تعلقه وطموحه بأن يكون مثلهم في يوم من الأيام .. بدأ والده يشعر بأن مجد العائلة وعزًها سيرتبط بمستقبل ابنه حمدي الذي بدأ يقلد مشاهير القراء أمثال الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ عبدالفتاح الشعشاعي ساعده على ذلك تمكنه من حفظ القرآن وجمال صوته وقوته بمساحاته التي أهلته لأن يكون قارئاً له وزنه وثقله بين القراء .. أشار أحد أقاربه على والده بأن يرسل ابنه حمدي إلى الزقازيق ليلتحق بالمعهد الديني الأزهري ما دام قد حفظ القرآن كاملاً في سن مبكرة حتى يكون أحد رجال الدين البارزين أصحاب المكانة المرموقة داخل نطاق المجتمع الريفي .. لم يتردد الوالد في قبول هذه النصيحة فألحق ابنه بمعهد الزقازيق الابتدائي الأزهري فاستقبله شيخ المعهد بحفاوة وطلب منه أن يتلو عليه بعض آي القرآن ليتعرف على مدى حفظه فاكتشف أنه صييت صغير ينتظره شأن كبير ولم يصدق شيخ المعهد أذناه ولا عيناه بالمفاجأة التي جعلته يقول للفتى الموهوب ابن العاشرة (( تاني يا شيخ حمدي )) ربنا يفتح عليك )) وظل الشيخ يستمع لصاحب الصوت الجميل والأداء القوي الموزون المحكم , فقبّله ودعا له بالتوفيق وأوصى به أباه وأخبره بأن هذا الابن يعتبر ثروة لا تعادلها ثروة وسيكون له شأن كبير بين أهل القرآن وقرائه .. قضى الفتى القرآني حمدي محمود الزامل المرحلة الابتدائية الأزهرية بمعهد الزقازيق محمولاً داخل قلوب المشايخ والزملاء وبأعينهم لأنه كان يتلو ما تيسر من القرآن صباح كل يوم يفتتح اليوم الدراسي بخير الكلام بالقرآن الكريم .
بعد حصوله على الابتدائيه الأزهرية ظهرت كل إمكاناته التي مكنته من تلاوة القرآن بطريقة لا تقل عن أداء كبار القراء فتدخل شيخه عوف بحبح لدى والده وأشار عليه بتفرغ الشيخ حمدي لتجويد القرآن في هذه المرحلة حتى ينطلق كقارىء ما دامت الموهبة موجودة والإمكانات تفوق سنه .. وافق الوالد مباشرة لأنه يتطلع إلى مجد يستطيع أن يرفع رأسه بين كبار العائلات بالقريتين المتجاورتين اللتين تشهدان منافسات بين العائلات .. لقد جاء اليوم الذي يستطيع فيه الحاج محمود أن يقول لهم : إذا كان التنافس بينكم في أحد طرفي الزينة الدنيوية وهو المال فإن الله وهبني طرفي زينة الحياة الدنيا من من خلال موهبة الشيخ حمدي .. وهذا ما جعل الحاج محمود يوافق على فكرة الشيخ عوف بحبح الذي سيتولى تجويد القرآن للشيخ حمدي الذي تلقى أحكام التجويد وعلوم القرآن من فمه مباشرة عن حب ورغبة شديدة في التمكن من تلاوة القرآن .. لما بلغ الشيخ حمدي الثانية عشرة من عمره ذاع صيته بمنطقة البحر كما أطلق عليها – فانهالت عليه الدعوات من هذه البلاد بداية من (( شها )) وصولاً إلى المنزلة التي اشتهر بها قبل بلوغه الخامسة عشرة وأثنى عليه الشيخ توفيق عبدالعزيز وبشّره بعلو منزلة بين قراء القرآن المشاهير لأن الشيخ توفيق رحمه الله كان من العلماء المتخصصين في علوم القرآن وهو والد الإذاعية القديرة فضيلة توفيق وكانت شهادة الشيخ توفيق بمثابة وسام على صدر الشيخ حمدي الذي دخل قلوب الناس واصبح قارءهم المفضل صاحب الصوت العذب الفريد المصّور لمعاني القرآن أبلغ ما يكون التصوير .
القارىء الموهوب : منذ عام 1944م وحتى وفاته عام 1982م قضى الشيخ حمدي ما يقرب من أربعين عاماً تالياً آي الذكر الحكيم بقوة وكفاءة عالية, فاستطاع بجدارة, أن يحصل على لقب (( كروان الدقهلية )) لأنه كان القارىء المفضل لجميع محافظات الدقهلية والمحافظات المجاورة لها .. بحق الجوار كان يوافق على قبول الدعوات من محافظة دمياط والشرقية لأنه كان قبولاً على حساب رفض .. حيث كان يطلب في اليوم لأكثر من سهرة فيأخذ الأولى أو التي تخص أصدقاءه وأقاربه الموجودين في أكثر من مكان بالدقهلية .. عشق الآلاف من السميعة المحترفين فن أداء وتلاوة الشيخ حمدي صاحب الصوت القوي الرخيم الخاشع المعبر وإمكاناته في التلاوة التي تهز المشاعر وتحرق الوجدان وتوقظ القلوب .. منحه الله مزماراً صوتياً من مزامير آل داود تجلت هذه القدرة وهذه العذوبة في أدائه بأنغام تحملها أوتار صوتية معدة ومجهزة تجهيزاً ربانياً تجعل السامع ينفعل بقلبه ومشارعه وأحاسيسه مع كل حرف يتلوه ولكل نغمة يؤديها ببراعة الإنتقال من مقام إلى مقام. تجده أنه قارىء فريد متميز متمكن, كان يقرأ اصعب قبل السهل لتمكنه من الحفظ والتجويد وشهد له بذلك الشيخ مصطفى وإسماعيل . وكانت براعة وإمكانات الشيخ حمدي تظهر فريدة من خلال تمهيده للتصديق في كلمة واحدة وهي آخر كلمة في التلاوة وكان يعطي السامع كل ألوان وإحساسات التمهيد في كلمة أو كلمتين بمهارة وتمكن لا ينافسه فيه أحد.
مكانته بين الناس : ظل الشيخ حمدي الزامل ما يقرب من عشرين عاماً القارىء المفضل لدى معظم قرى ومدن الدقهلية مع أمثاله من مشاهير القراء مما شغله عن الالتحاق بالإذاعة مبكراً .. واستمر هذا الانشغال بحب الناس له مع دخوله الإذاعة فلم يتمكن من الحصول على حقه كاملاً لأنه كان يعرف قدر نفسه تماماً وكان دائماً يضع إشباع رغبة عشاق فن أدائه فوق كل رغباته لأنه كان يعتبر المجد والعز والجاه والشهرة في تلاوة القرآن لا في الأضواء القاتلة التي لما أراد أن يسعى إليها على استحياء بضغط من أحبابه وجمهوره كانت سبباً في إسدال الستار عن موهبة قلما يجود الزمان بمثلها اسمها (( حمدي الزامل )) عاش حياته صديقاً لكل الناس فلم تخل قرية ولا مدينة في الوجه البحري من أكثر من صديق له مما وثّق الصلة بينه وبين آلاف المحبين له قارئاً وإنساناً .. دفع هذا الحب بعض العائلات إلى تأخير السهرة لأن الشيخ حمدي مرتبط .. ومن هؤلاء المقربين ابنه عمه أحد رجال الدين وحفظة القرآن المرحوم الشيخ فتحي الزامل وكذلك الحاج سيد سويلم عضو مجلس الشعب وعائلة سويلم بقرية برمبال مركز المنصورة والأستاذ محمود أمان بمحلة زيّاد مركز المحلة الكبرى.
احترامه الشديد للزميل واهتمامه بمظهره ومواعيده بالإضافة إلى تعلق الآلاف به كقارىء وصييت له مكانته بين مشاهير القراء. وضيف الشيخ أحمد أبوزيد القارىء والمبتهل الإذاعي الشهير حتى قبل دخوله الإذاعة .. كان أجره مثل أجر الشيخ مصطفى والشيخ البنا والشيخ عبدالباسط .. وأحياناً يدعى لمآتم ويرد نصف ما حصل عليه لأنه يجد أن أسرة المتوفى لا يتناسب ما دفعوه مع دخلهم.
الزامل ومصطفى إسماعيل : كانت بداية معرفة الشيخ مصطفى إسماعيل بالشيخ حمدي الزامل .. عام 1966م عندما كان الشيخ حمدي يقرأ مأتم بقرية شها مركز المنصورة وكان السرادق على الطريق وأثناء مرور الشيخ مصطفى على (( الصوان )) متجها إلى جهة المنزلة ليقرأ مأتم فقال للسائق انتظر لحظة وسمع الشيخ حمدي فسأل عنه فقيل له إنه الشيخ حمدي الزامل فأعجب بالصوت والأداء .. ومن هذه اللحظة بدأ الشيخ مصطفى يثني على الشيخ حمدي حتى قرأ معه في مأتم واحد. وكان القادم من مشاهير قراء الإذاعة إلى أي مكان بالدقهلية يعلم جيداً أن الشيخ حمدي مشغول وإلا كان هو البديل .. ولكن قليلاً جداً ونادراً ما كان يدعى قارىء مع الشيخ حمدي بسهرة واحدة ولكن الشيخ مصطفى إسماعيل الذي كان أشد المعجبين بالشيخ حمدي وذكاه أكثر من مرة واعترف به كأحد الموهوبين المتمكنين في تلاوة القرآن الكريم .. كثيراً ما التقى والشيخ الزامل الذي لفت الأنظار إليه بشدة في وجود الشيخ مصطفى الذي قال: (( المستقبل للمجيدين أمثال الشيخ حمدي )) ويقول الشيخ عبده الدسوقي وهو من حفظة القرآن الكريم بالمنصورة : (( نظراً لخبرتي الطويلة مع مشاهير القراء منذ عصر الشيخ مصطفى إسماعيل والشعشاعي والبنا وعبدالباسط وشعيشع وغيرهم سنحت لي أكثر من فرصة لأن أحضر منافسات ضارية بين فحول القراء .. وفجأة ظهر بينهم أحد العمالقة الموهوبين أصحاب الوزن والصيت المتين وهو الشيخ حمدي الزامل وحدث أن توفي أحد كبار الشخصيات بمدينة المنصورة وكان المأتم مهولاً والسرادق يمتد لأكثر من نصف كيلو متر أمام دار ابن لقمان مطلاً على البحر الصغير بالمنصورة وكان الشيخ مصطفى إسماعيل مدعواً لإحياء هذا المأتم في صيف عام 1960م – ولم يعلم الشيخ مصطفى بوجود قارىء معه بالسهرة ولكنه حضر متأخراً .. ولما دخل (( الصوان )) وجد الشيخ حمدي الزامل جالساً فسلّم عليه وقال له : (( هو أنت هنا يا شيخ حمدي !! )) أنت مدعو معي الليلة ؟ فقال له نعم يا عم الشيخ مصطفى فقال الشيخ مصطفى : (( أقسم بالله ما أقرأ إلا بعد ما أسمعك وأصر الشيخ مصطفى على ذلك وصعد الشيخ حمدي كرسي القراءة وقرأ قرآناً كأنه من الجنة وكلما أراد أن يصدق يقسم الشيخ مصطفى بأنه لن يصدق إلأ إذا قال له الشيخ مصطفى وامتدت التلاوة لأكثر من ساعة ونصف وكانت ليلة من ليالي القرآن واستمرت إلى ما قبل الفجر بقليل .
الزامل وعبدالباسط عام 1970م : يقول الشيخ أحمد أبوزيد القارىء والمبتهل الإذاعي وابن القارىء الإذاعي المرحوم الشيخ حسين أبوزيد والذي قرأ مع الشيخ حمدي بالمنصورة أكثر من مرة : (( الشيخ حمدي الزامل كان أسطورة لن ينساه محبوه وعشاق فن أدائه أبداً سواء الذي عاصروه أو الذي يستمعون إلى تسجيلاته .. وقد حضرته عشرات المرات بعضها كقارىء ومعظمها كمستمع فعرفت قدره عند الناس ومدى كفاءة هذا القارىء الموهوب المميز الفريد وخاصة عندما دعي الشيخ عبدالباسط لإحياء مأتم أمام جمعية الشبان المسلمين بالمنصورة . بدار مناسبات مسجد النصر .. ودخل الشيخ عبدالباسط وسط آلاف المعزين الذي امتد بهم المجلس إلى خارج المكان .. فوجد الشيخ حمدي الزامل يقرأ, فقال الشيخ عبدالباسط لصاحب السهرة هو أنت دعوتني بمفردي أم معي الشيخ حمدي ؟ فقال للشيخ عبدالباسط الشيخ حمدي مدعو كذلك فقال له الشيخ عبدالباسط بكل تواضع أهل القرآن في وجود الشيخ حمدي يجب ألا يقرأ أحد لأنه يقدم كل فنون تلاوة القرآن السليم بصوت وطريقة عظيمة وجلس الشيخ عبدالباسط حتى ختم الشيخ حمدي وتعانق الإثنان وجلسا معاً دقائق بعدها صعد الشيخ عبدالباسط ليقرأ والمعزون كل في مكانه لم يتحرك أحد منهم بل تضاعف عددهم ليستمعوا إلى الشيخ عبدالباسط وبعد 15 دقيقة صدق الشيخ عبدالباسط وقال للشيخ حمدي اقرأ يا شيخ حمدي لأنني في اشتياق إلى سماعك لما سمعته عنك من الشيخ مصطفى إسماعيل.