الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد شيخ المقرئين المصريين، ورئيس نقابة قراء ومحفّظي القران الكريم في مصر، وعضو المجلس الأعلى الإسلامي، ومن اشهر مجودي القران الكريم في العالم العربي والإسلامي في القرن العشرين .
كان من روَّاد قراءة القران الكريم في الإذاعة والتلفزيون .... قرأه لأكثر من 53 عاما . وحصل على العديد من الأوسمة والنياشين من ملوك ورؤساء العالم، كان أخرها الوسام الذي حصل عليه في يوم الدعاة في السنة التي قبل وفاته .
قال صاحب معجم تتمة الأعلام : ذكر لي أن والده من أكراد العراق تزوج من والدته المصرية . وقد رزقه الله من حسن الصوت والأداء بما لا يوصف . ولم يُرَ من يضاهيه في هذا عصر. وكان ينتقل بين بلدان العالم وخاصة في شهر رمضان لقراءة القران الكريم في مساجدها ومراكزها الإسلامية . وكان حتى النصارى وغيرهم يستمعون إليه ، لحسن صوته، ونقائه ، وجمال أدائه.
ويحدثنا أحد أعضاء مجلس إدارة نقابة القراء عن سيرته فيقول: الشيخ من مواليد بلدة آرمنت التابعة لمحافظة قنا سنة 1346هـ / 1927، حفظ القران وهو لا يتجاوز العاشرة من عمره على يدي الشيخ محمد سليم .... ثم تلقى القراءات السبع على يديه، وكان شيخه يحبه ويصطحب معه في الحفلات وعمره لا يتجاوز الرابعة عشر،وذلك لحلاوة صوته ونبراته القوية التي تدل على نبوغه منذ الصغر كقارئ مجيد .
وقد بدأت شهرت في محافظات الصعيد مع إحياء ليالي شهر رمضان من بداية عام 1945 ، من خلال حضوره مولده سيد أبي الحجاج بالأقصر، وسيدي الفرغل بسوهاج، وكان يستمع إلى أصوات مشاهير القراء بالوجه القبلي، أمثال المشايخ صديق المنشاوي، وعبد الراضي ، وعوض القوصي وغيرهم .... ليستفيد من طرقهم ومدارسهم ، ومن الأصوات التي تتلمذ على نهجها قبل أن يأتي إلى القاهرة أصوات المشايخ محمد رفعت ، والشعشاعي، ومصطفى إسماعيل، وزاهر، وعلي الحزين. وكانت أجهزة الراديو قليلة في الصعيد في ذلك الوقت ، فكان يذهب الأميال إلى المقهى وفيه راديو ليستمع إلى هؤلاء القراء الأفذاذ والأساتذة الأقطاب.
وفي عام 1950 قام بأول زيارة إلى القاهرة ..... وكان اليوم قبل الأخير لمولد السيدة زينب رضي الله عنها، وقدمه إمام المسجد الشيخ علي سبيع للقراءة، وكان يعرفه لأنه من قنا ، وكاد الشيخ عبد الباسط يعتذر لهيبة الموقف ..... لكنه قال له: لا بدّ أن تقرأ حتى تحصل لك البركة، وسوف يفتح الله عليك ، فقرأ من سورة الأحزاب :" أن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ". فامتلأ المسجد بالناس لسماع هذا الصوت الذي شد انتباهم، وجذب آذانهم، وسيطر على قلوبهم . وقرأ أكثر من ساعة .... والتفَّ حولها الآلاف لمعرفة إقامته.... ولكنه أخبرهم أنه قادم للزيارة من الصعيد، فطلبوا منه أن يتقدم للإذاعة حتى لا تحرم الجماهير من سماع صوته الجميل .
وفي عام 1951 تقدم للإذاعة ومنحته اللجنة القبول. وكانت مكونه من كبار العلماء ، وعلى رأسهم الشيخ محمد البنا وكيل الوزارة للشؤون الدينية، والشيخ محمد الضباع شيخ المقارىء المصرية، والشيخ شلتوت قبل أن يلي مشيخة الأزهر . وذاع صيته مع أول إذاعة في افتتاح مسجد ببور سعيد، وأصبح من أوائل القراء الممتازين بالإذاعة، تذاع تلاوته أسبوعيا مساء كل سبت. وانتقلت شهرته إلى إذاعات العالم كله.
وقد عين عام 1372هـ قارئاً لمسجد الإمام الشافعي، ثم قارئاً لمسجد سيدنا الحسين خلفا لزميله الشيخ محمود البنا سنة 1406هـ. كما عين نائباً لعموم مشيخة المقارىء سنة 1402هـ.
وكان له فضل في إنشاء نقابة محفظي القرآن الكريم. وتم انتخابه نقيباً للقراء سنة 1405هـ. وافته المنية بمصر يوم الأربعاء 21 ربيع الآخر سنة 1409هـ الموافق 30 كانون الأول 1988، بعد أن سجل القرآن الكريم عشرات المرات بالقراءات السبع الصحيحة لكل الدول العربية والإسلامية والأجنبية، وذلك خلال رحلاته التي تجاوزت المائة رحلة حول العالم كله، ولا يوجد مسلم اليوم إلا وسمع صوته الجميل العذب، وبيعت له ملايين الأشرطة الصوتية، وغدى علماً بارزاً يعرفه العامي قبل العالم في مختلف بلاد الإسلام، فرحم الله هذا الشيخ الكردي على ما قدم من خدمات جلى في ترتيل القران الكريم ، وأن يسكنه فسيح جنانه (*).
(*) جريدة الأخبار9/12/1988بقلم احمد شعبان، تتمة الأعلام:1/265-266