شـيخ المقرئين المصرييـــــــن محمـد الطبـلاوي
تزوجت 3 نساء.. ولا أعترف بقــــــارئ لا يـرتـدي الجبة والعمامة
الابن الوحيد لعائلة ريفية نشأ وتعلم في الكتاتيب مثل معظم أقرانه حتى حفظ القرآن الكريم بصوته المميز وظــل يرتله منـذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
والغريب في مشوار الشيخ محمد محمود الطبلاوي - شيخ المقرئين المصريين - أن لجنة الاستماع بالإذاعة رفضت انضمامه إليها كقارئ للقرآن رغم شهرته لمدة تسعة أعوام! وهنا يحدثنا الشيخ الطبلاوي عن حياته العائلية وعن القراء الجدد وغير ذلك.
حوار- علياء دربك
في البداية سألناه عن الميلاد والنشأة؟
- كنت ابناً وحيداً ولي أخت واحدة، وكان حي «ميت عقبة» مجرد قرية ملأى بالأشجار والمواشي والبيوت المبنية بالطوب اللبن ووسط مفردات هذه القرية الصغيرة نشأت، وكان بيتنا ريفياً مكوناً من ثلاث حجرات وصالة وطلمبة في وسط الدار.. وكنا نضيء الحجرات بلمبة الجاز.. وعلى نورها أذاكر وأحفظ القرآن.. كنت أذهب للكتاب.. وكان في ذلك الوقت معملاً لتفريخ أي قارئ ناجح أو عالم مهم.. وكان سيدنا غنيم عبده الزهوي شيخ الكُتاب -رحمه الله- ينتقي كل يوم خميس خمسة أولاد، ويجعل كل طفل منهم يقرأ خمس دقائق آيات مجودة.. وكانت لديه خبرة بالأصوات.. فقال عني الولد محمد هذا له صوت رخيم والولد الآخر فلان له صوت أقرع نحاسي.
ومتى أتممت حفظ القرآن؟
- في عام 7491 كنت قد حفظت القرآن وكان عمري 51 عاماً وصارت لي شهرة إلى حد ما، وصرت أقرأ في البيوت والمآتم.. وحصلت على أول أجر وكان خمسة قروش بالإضافة إلى دعوة على أكل اللحمة والفتة في «ختمة» والختمة هي المكان الذي يقرأون فيه القرآن ويأكل فيه الناس الفتة «وليمة».. وكان أعيان القاهرة يقيمون «الختم»، والختم جمع ختمة وكان عمري وقتها أثني عشر عاماً.
وماذا كان دور الأب والأم فى حياتك؟
- كان أبي رجلاً قاسياً متسلطاً مثل أى أب قديم يذكرني بسي السيد في ثلاثية نجيب محفوظ، وعندما كان يتنامى إلى علمه أنني لم أذهب يوماً إلى الكُتاب يضربني بقسوة.. ولو علم مرة أنني لعبت الكرة الشراب مع أقراني يبدو الأمر وكأنه جريمة لا غفران لها.
أما أمي فكانت طيبة وبسيطة مثل كل أمهاتنا.. وكانت حنونة عليّ وعلى أختي.
الزواج والأبناء
وماذا عن الزواج والأبناء؟
- تزوجت حين كان عمري ستة عشر عاماً في منزل والدي ووالدتي بميت عقبة، ولم أكن أنا وزوجتي على وفاق، ولم تنجب لي وطلب مني والدي أن أطلقها فطلقتها.. وطلبت منه أن يبحث لي عن عروس أخرى قبل أن أطلق الأولى وبالفعل تزوجت الثانية وأنجبت من هذه الزوجة عشرة أبناء.. ومع شهرتي ظهرت غيرتها وحماقتها.. ونشأت خلافاتنا وقررت أن أبحث عن زوجة ثالثة وفعلت.
وكيف تم زواجك الثالث؟
-زوجتاي الأولى والثانية لم تكونا من اختياري.. أما زواجي الثالث، فقد تم بشروطي.. طلبت من أصدقائي وأقربائي أن يبحثوا لي عن زوجة طيبة لا تنجب فأنا أب لعشرة أبناء ولا أريد المزيد.. وطلبت شروطاً أخرى تتعلق بالجمال.. وحدثني أهلي وأصحابي عن أمرأة تنطبق عليها شروطي، فهي مطلقة.. كانت زوجة لابن عمها لمدة أثنين وعشرين عاماً، ولم تنجب فطلقها.. وتزوجتها، ويشاء الله السميع العليم أن تنجب لي بعد زواجنا مباشرة ولدين هما محمد وأحمد.
الالتحاق بالإذاعة
ومتى تم اعتمادك كمقرئ محترف؟
- في البداية لم يتم اعتمادي قارئاً بالإذاعة لأسباب كثيرة، فقد كانت الإذاعة المصرية وقتها يحتكرها عدد من المشايخ القراء ووضعوا شروطاً للالتحاق بها أذكر منها أن يكون القارئ حافظاً للقرآن الكريم كاملاً، وملماً بأحكام التجويد وأن يكون حسن الصوت، وألا يكون مقلداً أو شبيهاً لأي صوت آخر.
وأصروا على عدم التحاقي بالإذاعة مع أن كل الشروط تنطبق عليّ فقد اشترطت اللجنة الموسيقية التابعة للجنة التحكيم الخاصة بنا شيئاً جديداً، وهو معرفة المقامات الموسيقية وما يسمى بالانتقال النغمي وبهذا الشرط لم يجيزوني مع أنني كنت قارئاً معروفاً جداً وأستمرت اللجنة ترفض تسعة أعوام كاملة إلى أن تعبوا وملوا فأجازوني.
وأذكر وقتها أن فضيلة الشيخ الراحل محمد الغزالي، وكذلك فضيلة الشيخ عبد الفتاح القاضي ساعداني في دخول الإذاعة بعد استثناء هذا الشرط وقالا للجنة التحكيم إن الطبلاوي مكسب للإذاعة.
هل من بين أبنائك من ورث صوتك وموهبتك؟
- كان ابني محمود يسير في طريق الحفظ والقراءة، وكنت أعده لكي يكون خليفتي لكن بعد أن ألحقته بالأكاديمية البحرية في الإسكندرية نسي القراءة نهائياً، فقد اختلط بشباب لهم شكل ومضمون وبيئة أخرى، وانخرط في حياتهم وصار ضابطاً بحرياً مع أنه كان يمتلك موهبة عظيمة.. لكن ابني محمد هو خليفتي الآن وهو في السنة الأولى الثانوية، وله صوت يشبه صوتي تماماً، ويحمل نفس نغماتي، بل يحمل نفس ملامح وجهي.. وأخوه أحمد أيضاً من زوجتي الثالثة أيضاً من حفظة القرآن، وله صوت جميل وسوف يصبح مقرئاً.
خارج مصر
وماذا عن شهرتك خارج مصر؟
- تعادل شهرتي في مصر وربما تفوقها، فقد قرأت القرآن في معظم الدول العربية، وأذكر في إحدى سفرياتي للسعودية مقولة قالها لي الملك الراحل خالد، وكنت في زيارة للسعودية، وكان معي الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله.. قال: إن القرآن نزل هنا، وطبع في أسطنبول وقرئ في مصر.
وخارج المنطقة العربية أي فى الدول الأجنبية؟
- في أول مرة سافرت فيها خارج مصر عام 0791 متجهاً إلى لندن للقراءة في المركز الإسلامي بها، ولأن عدد المستمعين لي كان كبيراً جداً، فقد أعد المركز الإسلامي ألفي وجبة إفطار للمستمعين والمصلين خلفي في صلاة المغرب والعشاء والتراويح، وكان الجامع الذي أقرأ فيه يتسع لألفي شخص.
وهل ثمة مواقف ما حدثت لك أثناء هذه السفريات؟
- دائماً كانت أسفاري لكل البلدان فى شهر رمضان.. ودائماً هناك ذكريات طريفـة وجميلة لا أنساها، مرة كنت في رحلة إلى كندا في بداية شهر رمضان وركبت الطائرة من مطار القاهرة، وبعد خمس ساعات توقفت الطائرة، وأمرونا بالخروج من بابها، وقلت لنفسي ها نحن في مطار تورنتو بكندا، وخرجت من المطار لكي يستقبلني من جاء لاستقبالي ولم أجد أحداً وعدت للمطار ووضعت الحقائب على الأرض وجلست وإذا بأربعة رجال ينظرون إلي بعين فاحصة وسألني أحدهم: فضيلتك الشيخ الطبلاوي؟ قلت: نعم جئت من القاهرة لتورنتو، ولم أجد أحداً في استقبالي.. فقال لي: فضيلتك في أمريكا وليس في كندا! واكتشفت أنني ركبت طائرة خطأ. مـرة أخـــرى أو حكاية أخرى كنت فيها متجهاً من القاهرة إلى السويد في شهر رمضان لإحياء ليال رمضانية هناك للجالية العربية.. وحـين وصلت مطار استكهولم لم أجد أحداً بانتظاري، لأن الطائرة تأخرت ساعتين.. وقـررت أن استقل تاكســياً يقوم بتوصيلي إلى المركز الإسلامي، فظل الســـــائق يلـف بي سـاعتين، باحثاً عن المركز الإسـلامي مدعيـاً أنه لا يعرف مكانه مع أن المركز كـان بجــوار المطار لكنه أراد أن يحصل على أجر كبير.
النغمة المستحيلة
قال عنك محمد عبد الوهاب إنك تؤدي النغمة المستحيلة ثم تردد إنك رفضت دعوته ليعلمك بعض المخارج الموسيقية؟
- الرواية تناقلها الناس بتحريف، فما حدث أن عبد الوهاب شعر أن صوتي مميز جداً، فاتصل بي ودعاني لزيارته، فلبيت دعوته وفوجئت أنه أستاذ في التجويد والترتيل، ورغم ذلك قال لي إنك يا شيخ محمد تمسك بالنغمة المستحيلة ولكني أريد أن أعلمك بعض المقامات الموسيقية التي رفضتك الإذاعة بسبب عدم معرفتك بها، فاعتذرت له قائلاً: إنني أحب أن أظل على الفطرة -على السليقة- وأعتقد أن موهبتي الفطرية سوف تفسد إذا تدخل فيها أحد.. جاء ذلك رغم أن لجنة الاستماع بالإذاعة رفضت قبولي تسع مرات بسبب عدم معرفتي بالمقامات الموسيقية أو ما يطلقون عليه «الانتقال النغمي».
أساتذة وامتداد
ومن هم أساتذتك؟
- لم أتتلمذ على يد أحد من كبار القراء، ولم أتلق دروساً في الترتيل، ولكني كنت أستمع إلى المشايخ الكبار بقصد التعلم وليس بقصد الاستماع فقط.. وأعتمد في هذا التعلم على مشايخ «مغمورين» لكنني كنت مقتنعاً جداً بموهبتهم الفطرية.. لكني لا أنكر أنني من أشد المعجبين وأكثر المستمعين للشيخ محمد رفعت والشيخ عبد الباسط عبد الصمد والبهتيمي ومصطفى إسماعيل وغيرهم.
وهل ترى أنك امتداد لأحد من هؤلاء؟
- أنا أعتبر نفسي صاحب صوت مميز جداً، وشخصيتي مستقلة عن الجميع، وهذه موهبة أكرمني بها الله سبحانه وتعالى، وغياب هذه الموهبة الآن عن القراء المعاصرين هي سبب تراجع القـراء في مصـر.
يقودنا هذا إلى سؤالك عن أسباب تضاؤل القراء المصريين الآن مقارنة بالعصر الماضي، حيث كنت أنت والشيخ رفعت وعبد الباسط ثم الحصري.. إلى آخره؟
- كثرة الفتاوى.. وظهور التطرف، وفوضى الفتوى حول التغني بالقرآن الكريم الذي أجازه الرسول الكريم في قوله «من لم يتغن بالقرآن فليس منا» ورغم ذلك هناك من يعتبر التلاوة أو التغني بالقرآن بدعة وضلالة.. فضلاً عن أن القراء المعاصرين استهوتهم شهرة الفضائيات ووسائل الإعلام، فتسابقوا إلى الشهرة وليس إلى الاهتمام بعلمهم وأصواتهم.
وما نصيحتك للقراء الجدد؟
- أولاً أن يحفظوا القرآن جيداً على يد مشايخ متخصصين حتى يتعلموا كيفية القراءة، وأن يتخذوا من آداب القرآن منهجاً في الحياة، وأيضاً ألا يحاولوا تقليد أحد حتى يكونوا أصحاب أصوات لها شخصايتها المميزة أو الفريدة.
ويستطرد الشيخ الطبلاوي .. وأيضاً أتعجب من هؤلاء القراء الجدد الذين لا يلتزمون بارتداء زي القراء والمشايخ وعلماء الدين الأجلاء وهو الجبة والعمامة، فأنا لا أعترف بقارئ لا يرتدي هذا الزي الذي يجلب لهم الهيبة والاحترام.
مشروع الحلو
وما رأيك في مشروع الفنان محمد الحلو لتسجيل القرآن الكريم بصوته؟
- أعرف أن الدافع الحقيقي وراء هذا المشروع هو صحوة روحانية يعيشها الحلو، كان من بين أسبابها صداقته لزميله الملتزم دينياً الملحن أمير عبد المجيد الذي كان يحثه دائماً على الالتزام بالصلاة. ولا مانع من أن يسجل الفنان محمد الحلو القرآن بصوته، وليس هناك حرج في ذلك؛ فنحن لا نحرم عليه القرآن الكريم، بل نشجعه على ذلك، وسننظر في التجربة وثمارها. ولكن عليه أولاً أن ينصت إلى قراءته، ثم يتعلـم على يد شيخ، ويضيف الطبــلاوي قـــائلاً: «أنا على استعداد لاستقبال الحلو في مسجـدي، وأن أعهد به لشيخ المسجـد ليعلمـه القراءة والتجويد يومياً حتى يتقن التجويد».
وبرغم سيطرة بعض الأصوات الجـديدة على الساحة إلا أن الناس يعشقون القديم ويفضلون الاستماع إلى قراء زمان، ما تعليق فضلتك؟
- إن أصوات قراء زمان لا يمكن تعويضها، فقد كانوا يتمتعون بالموهبة، وكان كل قارئ صاحب مدرسة، أما الآن فكل قارئ يقلد غيره ولا يوجد جديد في هذا المجال، والقراء الجدد بمثابة نسخ مكررة لقراء آخرين هم في الغالب من القراء القدامى. إن التنافس الشريف بين قراء القرآن سواء كانوا من القدامى أو من الجدد ظاهرة محمودة، أما التنافس الذي يتنكر لتعاليم الإسلام وأخلاقياته فلا يليق بحملة القرآن الكريم، وإذا كانت الغيرة مطلوبة فإن الحسد والحقد وتمني زوال النعمة أمور مرفوضة. وأحب أن أؤكد أن هناك كثيرين دخلوا إلى المهنة خلسة، فهناك طبيب ويقرأ القرآن، وهناك مهندس ويقرأ القرآن، وهناك أمين شرطة وغيرهم الكثير، مشيراً إلى أن هؤلاء عليهم أن يتركوا قراءة القرآن لمن هو منقطع لها، لأنه كما ورد في الأثر: «إذا انقطع أحدكم لشيء اتقنه».
من الأمور التي يأخذها الشيخ الطبلاوي على القراء الجدد بالإضافة إلى التقليد وعدم التفرغ لمهنة القراءة، عدم الالتزام بارتداء زي القراء والمشايخ والعلماء ممثلاً في الجبة والعمامة، ويقول: أنا لا أتصور ولا أعترف بقارئ لا يرتدي الجبة والعمامة. ويستنكر أن يرتدي القارئ بدلة ونحو ذلك ويرى أن الجبة والعمامة زي مميز لقراء القرآن وللعلماء دون غيرهم، وهو يجلب لهم الهيبة والاحترام وبالتالي لا ينبغي لقارئ القرآن أن يتخلى عن هذا الزي.
مـاذا عن تسجيلاتك.. هــل سجلت القــــرآن كاملاً؟
- الحمد لله أكرمني الله بتسجيل القرآن كاملاً مرتين، مجوداً ومرتلاً، وهذا هو الرصيد الذى أعتز به، والثروة التى سأتركها ليس لأولادي ولكن للإسلام والمسلمين، أدعو الله أن أنتفع بها فى الآخرة.
ويشير الشيخ الطبلاوي إلى أن المصحف المرتل يُذاع دائماً بصوتي في دول الخليج، وأيضاً سـجلت مجموعة كبيرة من التسجيلات النادرة والرحـلات الخارجية التي قمــت بها في السبعينيات، حيث سافرت إلى أكثر من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأجنبية بدعوات خاصة أو مبعوثاً من قبـــــل وزارة الأوقاف والأزهر الشـريف، كما مثلت مصر في العديد من المؤتمرات، ومحكماً لكثير من المسابقات الدولية التي تُقـــام بين حفظـة القرآن في دول العالم، ومن الدعـــــوات التي لا أنساها دعوة (مستر جون لاتسيس) لزيـــارة اليونان وتلاوة القـرآن هنــاك لأول مــرة في تاريخ اليونان، وأيضاً وجهت لي إيطاليا دعوة رسمية لتلاوة القــرآن لأول مــرة بمدينة «رومــا» أمــام الآلاف من أبــناء الجاليات المسلمة وهكذا أكرمــني الله بهذه الموهبة.. فأحمده كثيراً وأشكر فضله.
شهر رمضان
وأخيراً نسألك ..كيف تقضي شهر رمضان؟
- في مسجدي بحي ميت عقبة بالقاهرة، لقراءة القرآن وتلاوته، وتعليم الناس كيفية القراءة الصحيحة وتدارس القرآن الكريم.. والمساهمة في أي عمل خيري ينفع الناس طوال الشهر الكريم .
أما في الماضي فكنت أقضيه في السفر والتنقل في معظم دول العالم التي تضم أقليات مسلمة متشوقة لرؤية مشايخ دينهم الحنيف، والاستماع إليهم .